الخميس، 20 أغسطس 2015

الشيطان الساكن في هيل هاوس


توافد الناس مطالبين برؤية الطفل الشيطان ..
لأكثر من شهر ونصف اكتظ ''هيل هاوس'' بأعداد كبيرة من الناس الوافدين عليه من كل مكان مطالبين برؤية 'الطفل الشيطان'. كان صيفا حارا في شيكاغو تلك السنة من عام 1913 لكن حرارة الطقس لم تكن تضاهي حرارة تدافع العشرات أمام البوابة الضخمة لهيل هاوس . يملؤهم الفضول لالقاء نظرة ولو من بعيد على ذلك الرضيع الذي تخلى عنه أبويه وفرا بعد ان شاهدا منظره المخيف .
انتشرت القصة بسرعة انتشار النار في الهشيم لتغزو مدينة شيكاغو وتصل إلى كامل أصقاع الولايات المتحدة الأمريكية. وباتت حديث الصغير قبل الكبير. أراد الجميع دون استثناء ان يروا الشيطان وقد تجسد في هيئة ''بشرية ''.
لكن ما هي حكاية هذا الطفل ؟ .. وما هي قصة هيل هاوس؟ ..
مبنى هيل هاوس .. كان نحسا على ساكنيه ..
على الرغم من أن بناء 'هيل هاوس' كان لأهداف نبيلة إلا أن هذا المبنى كان ملعونا على أصحابه منذ البداية. إذ بني المنزل في شارع هاستيد ستريت شيكاغو سنة 1856 على يد تاجر عقاري ثري يدعى شارلز هيل. كان منزلا عصريا ذو طابقين تحيط به الحدائق من كل جانب . احتل مساحة مائتي متر مربع في بدايته قبل أن تضاف له مبان أخرى فيما بعد. وقد تصور الجميع أنه المكان المثالي لعائلة 'هيل' للاستمتاع برفاهة العيش و جمال المدينة. غير أن الأمور جرت عكس المتوقع حيث ماتت زوجة شارلز بعد حوالي اربع سنوات من بناء المنزل تاركة له طفلين يرعاهما وحيدا. الا انه لم يمض اكثر من عقد من الزمن حتى مات الطفلين كذلك وهما بعمر الزهور تاركين ألما ووحدة في قلب ابيهما. لتتعمق مأساة شارلز الذي قرر ان يتخلى عن ''هيل هاوس'' لصالح المؤسسات الخيرية و ينتقل بعد ذلك للسكن في جزء آخر من المدينة.
لكن روح زوجته الميتة أبت إلا أن تلازم المنزل الذي ماتت فيه. فأحتلت اروقته وسكنت جدرانه. وإبان الحريق الهائل الذي شهدته مدينة شيكاغو سنة 1871 او ما كان يعرف ''بحريق شيكاغو العظيم'' والذي خلف مئات من القتلى وآلاف من المشردين. تزاحم الكثير منهم وخاصة الفقراء على هيل هاوس الذي نجا من الحريق ليتخذوا منه ملجأ وليجلبوا معهم المزيد من الأوبة والموت.
استعمل كجمعية خيرية ومركز اقامة ..
بعد سنوات عديدة تحديدا سنة 1889 اشرفت كل من جاين ادامز و ايلان ستار على اعادة تهيئة المكان وتحويله الى جمعية خيرية ومركز اقامة و تعليم للمهاجرين الوافدين على الولايات المتحدة والذين كانوا في اغلبهم من اصول ايطالية وممن ينتمون الى الطبقة الوسطى. جمعهم ''هيل هاوس'' حيث كان المكان القادر على تهيأتهم للعيش والاندماج في المجتمع الامريكي .لاقت هذه البرامج نجاحا كبيرا واقبالا منقطع النظير ما جعل المشرفين يوسعون في المبنى الرئيسي بإلحاق مبان ثانوية قادرة على استيعاب المزيد. كانت البرامج تمضي بسلاسة ونجاح باهر تحت اشراف عالمة النفس والاجتماع جاين ادامز والتي تحصلت فيما بعد سنة 1931 على جائزة نوبل للسلام. قبل ان يتبدد هذا الهدوء في احد الايام من صيف 1913 حيث قدمت ثلاث سيدات ايطاليات وطلبن بكل إصرار رؤية ''الشيطان الرضيع''. كن متأكدات من وجوده. وأمام إنكار المسئولين في المبنى قدمت السيدات وصفا للرضيع الذي كان قادرا على الكلام رغم حداثة سنه . والذي كان , حسب كلامهن, مسخا مخيفا بأذنيه المدببتين وذيله الصغير ، وكانت هذه الرواية هي بداية الفيض البشري الذين توافد على هيل هاوس.
ولنتعرف على هذه القصة .. لنبدأ من بدايتها إذ تعددت الروايات حولها ..
قرر ان يضعه امام مدخل هيل هاوس ..
وسأروي لكم اكثر الروايات شيوعا. إذ تقول : " كان هنالك سيدة ملتزمة ودائبة العبادة بشكل دائم على العكس من زوجها السكير والقاسي. كانت المرأة تعاني من بطش زوجها وإلحاده الكبير. إلى درجة انه مزق صورة العذراء مريم من على حائط إحدى الغرف دون أن يرأف بدموع زوجته. بل و قال لها انه يكره رؤية هذه الصورة وانم على استعداد للعيش مع الشيطان نفسه على أن يتقاسم غرفته مع هذه "الصورة البشعة".
وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة في تلك الليلة فبعد تسعة اشهر أنجبت زوجته طفلا. لكن هذا الطفل لم يشبه غيره من الاطفال او بني البشر. كان طفلا بشعا ومشوها بملامح تشبه ملامح الشيطان إلى درجة لم تستطع معها الأم المكلومة ان تتحمل رؤية ملامح ابنها ففارقت الحياة بعد ساعات من الولادة. بقي الأب حائرا في مصير هذا المخلوق البشع حينها قرر ان يضعه امام مدخل هيل هاوس . ويقال ان العاملات في هيل هاوس تحفظن على هذا المسخ الصغير حتى كبر قليلا حينها قررن تعميده لتخليصه من الروح الشيطانية التي تسكنه. لكنه أبى ذلك فتم سجنه في قبو هيل هاوس ولم يعرف بعدها ماذا حل به. عدا بعض الإشاعات التي زعمت ان ابن الشيطان مات في قبو هيل هاوس ودفن في مكان ما من المبنى.
ربما فيلم صبي الجحيم مأخوذ من قصة الطفل الشيطان ..
بعد سنوات اضمحلت قصة الطفل الشيطان تدريجيا. غير ان الكثيرين ممن سكنوا هيل هاوس اكدوا انهم كانوا يسمعون باستمرار بكاء طفل قادم من القبو ومن الحديقة في ساعات متأخرة من الليل . فيما ادعى آخرون رؤية شبح السيدة هيل زوجة شارلز صاحب المنزل. واتفق الجميع على أن هيل هاوس هو احد أكثر الأماكن المسكونة في أمريكا.
سنة 2012 أغلقت نهائيا جمعية جاين ادامز وتحول هيل هاوس إلى متحف.
ختاما اقول ان قصة '' ابن الشيطان'' قد تكون بالاساس قصة طفل مشوه تكفلت الجمعية برعايته لفترة من الزمن او قد تكون مجرد خيال واسع غذته بعض المعتقدات الشعبية لتنسج قصة غريبة .. واترك لكم أعزائي القراء الحكم النهائي.

الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

لوحة الرجل المعذب


هل يمكن أن تكون اللوحة مسكونة حقا ؟ ..
كمعظم الأطفال ، شون روبنسون كان طفلا فضوليا ، يود معرفة واكتشاف كل شيء ، كثيرا ما حملته قدماه الصغيرتان إلى علية منزل جدته ، كان يتسلق السلم الخشبي المؤدي إلى هناك بخفة وحماس كأنه مقبل على عالم سحري يعج بالغرائب والعجائب ، وقد كان كذلك فعلا بالنسبة لطفل بعمر شون ، ففي إرجاءه وزواياه تكدست أشياء وحاجيات قديمة يغطيها الغبار كأنها من بقايا مقبرة فرعونية ضائعة .. حتى الرائحة كانت تعطي أحساسا بالعودة إلى الماضي .
كانت علية الجدة بمثابة الكنز الضائع ..
شون أمضى وقتا طويلا في اكتشاف "الكنوز الضائعة" لعلية جدته .. كان هناك أثاث قديم وأغراض منزلية لم يرى مثيلا لها سابقا ولم يعد أحد يستعملها ، صناديق وعلب تغص بأشياء صغيرة وتذكارات ، رفوف تنوء بكتب ذات أوراق صفراء باهتة .. وألبومات مليئة بصور باللونين الأبيض والأسود لجدته في شبابها ولأشخاص لا يعرفهم .. ربما ماتوا منذ زمن طويل .
في واحدة من رحلاته الاستكشافية للعلية ، وتحت كومة من الستائر والفرش القديمة ، عثر شون على لوحة غريبة لرجل فاغر فمه كأنه يصرخ من شدة الألم ، كانت لوحة موحشة تبعث على الكآبة ، حتى ألوانها مزعجة ، لا عجب بعد ذلك أنها كانت منبوذة هناك في العلية بعيدا عن أنظار الجميع .
صورة لوحة ذلك الرجل المعذب انطبعت في ذهن شون وأثارت فضوله كثيرا فسئل جدته عنها . الجدة لم تبدو سعيدة بالحديث عنها ، كأنها كانت ذكرى سيئة منسية بالنسبة لها . قالت بأن إحدى صديقاتها أهدتها اللوحة قبل سنوات طويلة ، وبأنها شعرت بعدم الراحة والانقباض لدى رؤيتها للمرة الأولى ، وزاد نفورها منها بعد أن علمت بقصتها المأساوية . فصديقتها أخبرتها بأن الرسام الذي رسم اللوحة أصيب بلوثة عقلية في أواخر حياته ، كان كئيبا ويائسا إلى درجة أنه مزج دمه مع الأصباغ التي أستعملها في رسم اللوحة ، وما لبث أن مات منتحرا بعد فترة قصيرة على انتهائه من رسم اللوحة .
الجدة قالت بأنها حاولت إعادة اللوحة إلى صديقتها ، لكن صديقتها رفضت إرجاعها ! ، كأنها أهدتها لها لتتخلص منها .
وجود اللوحة في المنزل أرتبط بأحداث مريبة ومخيفة لم ترد الجدة الحديث عنها ، لكنها أخبرت شون بأنها حاولت حرق اللوحة عدة مرات ، لكن في كل مرة كان يراودها أحساس بالخوف الشديد فتحجم عن حرقها ، وبالنهاية قررت التخلص منها بوضعها في العلية .   
لوحة الرجل المعذب .. رسمت بالدم ! ..
كانت تلك من أغرب القصص التي سمعها شون في طفولته ، لكنه لم يشعر بالخوف ، بالعكس سحرته اللوحة وراح يتخيل رسامها وهو يغمس فرشاته في دمه ثم يمررها بهدوء على القماش القطني الأبيض ليصنع خطوطا ومنحنيات تصرخ ألما وتقطر أسى . وما لبث شون أن نسي أمر اللوحة ثم مرت الأيام والسنين ودار الزمان دورته فماتت الجدة العجوز وتم بيع منزلها من قبل الورثة .
قبل أن يتم تسليم المنزل للمشتري الجديد قرر شون زيارته للمرة الأخيرة لاستعادة ذكريات الماضي ، وقد حملته قدماه إلى العلية حيث عالمه السحري القديم ، فطفق يقلب الأغراض والحاجيات المغبرة ، وفجأة وقعت عيناه على لوحة الرجل المعذب ، فتذكر قصتها التي روتها له جدته قبل سنوات طويلة ، وشعر بانجذاب غريب نحوها لدرجة أنه حملها معه إلى منزله وأراد أن يعلقها في حجرة الجلوس ، لكن زوجته اعترضت بشدة ، قالت بأن اللوحة توترها بشدة ، وأعترض أولاده أيضا ، قالوا بأنها تخيفهم ، فلم يجد شون بدا من أن يحملها ويضعها في القبو مع الحاجيات والأغراض القديمة الأخرى ، كأنما كان مقدرا لهذه اللوحة أن لا يراها أحد .
بعد أيام على وضع اللوحة في القبو بدأ شون وأفراد عائلته يسمعون آهات وصرخات مكتومة قادمة من مكان ما ، لكن العائلة لم تهتم لذلك كثيرا ، ظنوا بأنها أصوات القطط وهي تلعب في الحديقة . لكن شون لاحظ أمرا آخر , فكلبه لم يعد يقترب من القبو ، كان ذلك غريبا بحق ، فكلبه كان دوما يتبعه بحماس عند نزوله للقبو لجلب غرض أو حاجة ما ، فما باله الآن يفر مذعورا ما أن يفتح باب القبو .
بعد عدة أسابيع هطلت أمطار غزيرة فتسربت المياه إلى القبو وأغرقت الأرضية ، مما اضطر شون لنقل بعض الحاجيات ، ومنها تلك اللوحة الكئيبة ، إلى حجرة غير مستعملة في الطابق العلوي من منزله . ولم يطل الوقت على خروج اللوحة من القبو حتى بدأت بعض الأمور الغريبة والغامضة تطل برأسها في أرجاء المنزل .
صورة شون مع اللوحة ..
صار سماع الصرخات والآهات الغامضة يحدث كل يوم ، أصبحت تلك الأصوات أوضح وأقوى من ذي قبل كأنها تصدر من داخل المنزل ، وكان أفراد العائلة يستيقظون أحيانا في ساعة متأخرة من الليل على صوت شخص ينتحب ، لكنهم لم يهتدوا أبدا لمصدر الصوت . ليس هذا فحسب ، فجميع من بالمنزل قالوا بأنهم يشعرون كأن عيونا خفية تراقبهم وتترصد حركاتهم . وسرعان ما تحول هذا الشعور إلى رؤى حقيقية ، شون قال بأنه يشاهد خيالا أو ظلا أسود يتجول في أرجاء المنزل ، يراه بطرف عينه , لكن حين يلتفت لا يرى احد . حتى زوجته وأولاده بدؤوا يتحدثون عن ذلك الظل الغامض ، لكنهم أقنعوا أنفسهم بأنها مجرد خيالات كاذبة .. هلوسة جماعية أصابتهم كونهم يعلمون جميعا بقصة اللوحة .
لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد ، لاحظ شون بأن كلبه بدأ يرفض الصعود إلى الطوابق العليا من المنزل ولم يعد يخشى النزول إلى القبو ! ..
وفي إحدى الليالي استيقظ شون من نومه ليشاهد ظلا داكنا لرجل يقف عند حافة السرير ، بدا كأنه ظل رجل في منتصف العمر لكنه لم يكن واضح الملامح .
ومرة أخرى أقنع شون نفسه بأنها مجرد تخيلات .. ربما كان يحلم .
بعد فترة بدأ أفراد العائلة يتحدثون عن وجود بقع باردة في المنزل ، كانت أجسادهم ترتجف من شدة البرودة حين يمرون بتلك البقع رغم أن الجو لم يكن باردا .
وفي إحدى الليالي ذهبت زوجة شون إلى الفراش باكرا ، بعد فترة على استلقاءها في السرير شعرت بأن شخصا ما ينام إلى جانبها ، ظنت في بادئ الأمر بأن زوجها شون قد أوى إلى الفراش ، لكن حين استدارت رأت ظلا أسود يتمدد إلى جانبها وهو يحدق إليها بعيون تشع حقدا ولؤما . من شدة الرعب قفزت الزوجة من السرير وأخذت تصرخ بهستيرية فهرع شون إليها وحاول أن يهدئ من روعها بالقول بأن ما رأته لم يكن سوى كابوس ، لكنها لم تقتنع بهذا الكلام وأصبحت الكوابيس المخيفة تلاحقها في منامها .
الكلب يخشى النزول إلى القبو ..
زوجة شون أصرت على أن يعيد اللوحة إلى القبو ، وما أن فعل ذلك حتى عاد الهدوء للمنزل ، لكن شون لاحظ بأن كلبه أصبح يخشى النزول إلى القبو مجددا .
شون نشر صورة اللوحة في صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي وتحدث عن الأحداث الغريبة المرتبطة بها . فنصحه البعض بأن يراقب اللوحة عن كثب بواسطة كاميرا ، أخبروه بأنها أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كانت اللوحة مسكونة أم لا . وبالفعل استجاب شون لتلك النصيحة فأخرج اللوحة من القبو ووضعها في غرفة معزولة بالطابق العلوي ووضع معها كاميرا تقوم بالتصوير لمدة ثمان ساعات كل ليلة .
في الصباح كان شون يمضي وقتا طويلا في تدقيق الشريط الذي بالكاميرا ، كان يبحث عن أي شيء غريب أو خارج نطاق المألوف ، ولم يطل الوقت حتى لاحظ فعلا وجود بعض الأمور التي لا يمكن تفسيرها .
كان يمكن سماع بعض الآهات والصرخات المكتومة ، ورؤية باب الغرفة وهو يغلق ويفتح من تلقاء نفسه ، وهناك أيضا صوت طرق قوي .
شون جمع اللقطات الغريبة التي عثر عليها في أشرطة التسجيل ونشرها في مقطع واحد على اليوتيوب :
الفيديو الذي نشره شون ..

وخلال الأيام التي خرجت فيها اللوحة من القبو لغرض مراقبتها عادت الأحدث الغريبة إلى المنزل ، من جديد أخذ أفراد العائلة يشاهدون ذلك الظل الغامض يتجول في أرجاء المنزل ، واشتكت زوجة شون من شعورها لعدة مرات بأن هناك شخصا ما يعبث بخصلات شعرها خلال مكوثها في الحمام . شون نفسه قال بأنه شعر مرارا بوجود شخصا ما يقف خلفه مباشرة وينفث أنفاسه على كتفه ، لكن حين يستدير لا يرى أحد .
أصبحت الكوابيس تطارد شون في منامه ، وجميعها تكاد تكون متشابهة ، يرى فيها ظل داكن لرجل في منتصف العمر ، لكنه لا يستطيع رؤية ملامح وجهه أبدا .
وفي ذات مساء بينما شون جالس يتابع التلفاز في غرفة الجلوس سمع صوت ارتطام قوي بالأرض كأنما احدهم سقط من علو ، فركض ليتبين الأمر ، وشاهد ابنه الصغير يستلقي أرضا أسفل السلم مباشرة ، لحسن الحظ لم يصب الولد بأي أذى ، أخبر أباه بأن كان يروم النزول من الطابق الثاني وقبل أن يصل الأرض بأربع أو خمس درجات فقد توازنه وسقط .
في الأيام التالية لاحظ شون بأن أبنه أصبح شاحب الوجه وشارد الذهن ، أقلقه الأمر كثيرا فراح يسأل ابنه عن سبب تغيره ، الفتى نظر لوالده ثم أنخرط بالبكاء كأنه ينوء بحمل ثقيل يخفيه في قلبه . فزاد قلق الأب وأصر على معرفة ما يجري ، فأخبره أبنه بأن شعورا طاغيا بالخوف يلازمه منذ لحظة سقوطه من على السلم ، والسبب هو أن سقوطه لم يكن عرضيا كما أعتقد الجميع ، بل كانت هناك يد خفية مجهولة دفعته بقوة أثناء نزوله السلم مما أفقده توازنه وأسقطه أرضا .
شون شعر بالخوف بعد سماع ما قاله أبنه ، في الحقيقة هو لم يكن يشعر بالخوف أبدا من اللوحة منذ أن أتى بها إلى منزله ، كان يساوره الفضول في معرفة إسرارها ، لكنه لم يخف منها .. أما الآن وبعد ما حدث لأبنه فقد أختلف الأمر . كان ما حدث كفيلا بحمله على إعادة اللوحة مجددا إلى القبو . وكما في المرة السابقة اختفت الأحداث الغريبة على الفور وعاد الكلب يخشى النزول إلى القبو .
خلال الأسابيع والشهور التالية سعى شون لمعرفة أي معلومة عن تاريخ اللوحة أو هوية رسامها . نشر صورها على العديد من المواقع والمنتديات وطلب ممن يمتلك معلومات عنها أن يتصل به . لكن الاتصالات الوحيدة التي تلقاها هي تلك التي تعرض شراء اللوحة بمبالغ مغرية ، إلا أنه رفض بيعها .
البعض نصحوا شون بأن يقوم بحرق اللوحة ، قالوا بأنها ربما تكون بوابة لعالم آخر ، لكن احد المتخصصين بالروحانيات حذره كثيرا من حرق أو تمزيق اللوحة وأخبره بأن الأمور قد تصبح أسوأ إذا ما أقدم على ذلك ، فأيا ما كان من يقف وراء الأمور الغريبة المرتبطة باللوحة فأن ذلك الشيء ملتصق ومقيد بها ، لكن متى ما تم حرق اللوحة فأنه سيصبح حرا لفعل ما يشاء وستصبح مهمة السيطرة عليه مستحيلة .
قسم من الناس قالوا بأن اللوحة مسكونة من قبل شبح الرسام لأنه استعمل دمه في رسمها . قسم آخر قالوا بأن اللوحة مسحورة أو ملعونة ، وهناك من قال بأن مسكونة من قبل كائنات أثيرية شريرة (Demon ) وهي قريبة في فكرتها من الجن في تراثنا الشرقي ، هذه الكائنات التصقت باللوحة مستغلة الكآبة والوحشة التي تسببها رؤيتها في النفوس من اجل أن تتلبس بأجساد البشر .
على العموم ، أيا ما كان لغز أو سر اللوحة فقد نالت شهرة واسعة ، أطلق الناس عليها أسم لوحة الرجل المعذب أو المكروب (The Anguished Man ) ، وكتبت عنها الجرائد والصحف وتم التطرق إليها في حلقة من برنامج (غريب أم ماذا - Weird or What ? - ) الذي عرضته قناة دسكفري .  
أخيرا ما رأيك أنت عزيزي القارئ .. هل تصدق بأن اللوحة يمكن أن تكون مسكونة حقا ؟ ..

الأحد، 16 أغسطس 2015

شبح سعاد


الجميع يتحدّث عن شبح سعاد الذي حرمهم النوم ليال طوال ..

بعض الأحداث التي تمرّ بنا تبقى رغم مرور الوقت قابعة في ركن قصيّ من الذاكرة قد ننسى تاريخ وقوعها , قد ننسى أسماء أبطالها ,لكننا أبدا لا ننسى تسلسل الأحداث و ستمرّ بنا من وقت لأخر كشريط مصوّر ,تماما كأحداث الجريمة التي سأسرد عليكم وقائعها...
كان يوما من أيام الشتاء الباردة ,في تسعينات القرن المنصرم , استيقظنا صباحا على خبر مروّع كتبت عنه أغلب الصحف التونسية آنذاك , على الصفحات الأولى بالخط العريض قرأت هذا العنوان "زوج يقتل زوجته بواسطة ساطور .."
فما الذي حدث؟؟
الصحف لم تكن هي المصدر الوحيد لمعلوماتي عن وقائع هذه الجريمة, بل لا تعتبر مصدرا ,فأحداث الجريمة و ما ترتب عنها عرفته من صديقتي المقربة فاطمة.
فاطمة قريبة لي تقطن في نفس القرية التي وقعت فيها هذه الجريمة و هي جارة للمجني عليها ,اتصلت بها فروت لي ما حدث.
و هذا هو ما حدث,
سعاد زوجة شابة و أم لثلاثة أطفال أصغرهم رضيع لم يتم سنته الأولى , و أحد أطفالها كان يعاني من إعاقة بسيطة في رجله تتطلب متابعة طبية و كان يخضع للعلاج الطبيعي..
الزوج الجاني ,كان عاملا يوميا , رجل بسيط يعيل ثلاثة أطفال و أمهم..
و لسبب اختلف فيه الناس عمد إلى قتل زوجته ,و ترك أطفاله أيتاما,
و إليكم تفاصيل الواقعة ,
قتلها بأبشع صورة
في ليلة من ليالي الشتاء ,كان الزوج قد أخذ طفليه إلى بيت جدّتهم فيمَا بقي الرضيع مع والدته , مرّت السهرة و استلقت الزوجة على فراشها لترضع طفلها و غفت, كان هو يراقبها و ما إن لاحظ أنها أغمضت عيناها و استسلمت الى غفوتها حتى أحضر الساطور الذي كان قد تركه مسبقا تحت الفراش كان ساطورا لتقطيع لحم الخروف في عيد الأضحى لكنه في هذه الليلة أصبح أداة لتقطيع جسد الزوجة المغدورة.
انهال عليها ضربا بالساطور , و قد جاء في تقرير الطب الشرعي أنه أصابها بما لا يقلّ عن ثلاثين طعنة ..شيء مروّع ,
بعد أن أفاق من حالة الجنون التي انتابته و هو يقطّع جسد أمّ أبنائه دون أي رأفة برضيعها الذي كان نائما إلى جوارها, خرج من البيت متوجّها إلى المدينة , مشى و مشى و لا شيء في ذهنه سوى الانتحار قصد السكّة الحديدية منتظرا قدوم أول قطار ليرمي جسده تحت عجلاته , لكنه في اللحظات الأخيرة جبن , بكى و بكى فكّر ماذا يفعل ؟
لم يجد في نفسه الشجاعة كي يقدم على وضع حدّ لحياته ,ففضّل أن يتوجّه إلى أقرب مركز للشرطة ليبلغ عن جريمته النكراء في حقّ زوجته.
هناك في مركز الشرطة أخبرهم بتفاصيل جريمته و دلّهم على عنوان بيته لتتوجه فرقة الشرطة العدلية بصفاقس إلى موقع الجريمة ,
المشهد هناك يفوق أي وصف,يدمي القلوب, لا أظن أنّ شخصا طبيعيا قادرا على مشاهدته بدون أن يعتصر الألم قلبه..
على حشيّة موضوعة على الأرض كانت جثّة امرأة ,كلمة تنزف لا تفي بالغرض لأن الدماء كانت تتدفق أنهارا و سيولا منها و هي على وضعها نائمة على جنبها ثديها إلى الخارج و طفلها الرضيع الذي لا يفقه من الحياة سوى جرعة حليب دافئة من ثدي أمّه الحنون ملتصقا بها ملتقما حلمتها في براءة منقطعة النظير ,ملاك نائم بين أحضان الموت , و لا يدري أن من تمنحه رحيق الحياة قد فارقتها و تركته ليعيش الحرمان بعدها ,أمّ توفيت و أب قابع في ظلمات السجون ..
أسباب الجريمة اختلف الناس في سردها البعض يقول أن الزوجة كانت ذات لسان سليط و الزوج كان مغلوبا على أمره و لسبب ما قامت بعمل سحر له ترتب عنه إصابته بعجز جنسي صارت تعايره به يوميا حتى طفح به الكيل و عمد إلى قتلها بعد أن دبّر لذلك و أبعد طفليه الآخرين عن البيت..
و آخرون يقولون أن الزوج أصيب بالعجر الجنسي مما جعلها تنفر منه و تعايره بعجزه فقام يقتلها ..
و كلتا الروايتين تتفقان على أنّ الزوج مصاب بالعجز الجنسي و أنّ المجني عليها عايرته بعجزه بقولها "ماكش راجل " باللهجة التونسية و معناها "لست رجلا "و لمن لا يعرف المجتمع التونسي سأخبركم بأنّ هذه الكلمة بالنسبة الى الرجل التونسي, أشدّ من القتل و كل امرأة تقولها لرجل لا بدّ أن يقتلها قبل أن تبرح مكانها أو أن يغتصبها حالا ليثبت لها زيف قولها , و في أفضل الحالات سيتركها لكنها لن تسلم من انتقامه إن عاجلا أم آجلا , فما أدراك بزوجة ترمي بها زوجها ليلا نهارا و تذكره بعجزه و هو عاجز فعلا و ها قد كان نصيبها أكثر من ثلاثين ضربة ساطور..
هذا ما يخص تفاصيل الجريمة و أسبابها و إليكم ما ترتّب عنها و كل ما سأقوله لكم الآن سمعته عن ثقات هم: صديقتي فاطمة و عائلتها ,جدّتي رحمها الله و خالتي ..
كما أنني من خلال زياراتي لبيت صديقتي فاطمة أعرف المقبرة التي دفنت فيها سعاد و أعرف بيتها و مررت به بعد الحادثة لكنني لم أجرأ على الاقتراب منه..
الجميع يتحدّث عن شبح سعاد الذي حرمهم النوم ليال طوال, فقد كانت صرخاتها تخترق سكون الليل و ترعب النائمين في بيوتهم, لم يكن احد من الجوار يجرأ على الخروج ليلا خاصة و أن المقبرة حيث دفنت سعاد كانت قريبة جدا ..كانت تقع خلف منازلهم..
و سأقص عليكم بعض ما سمعته عن شبح سعاد:
القصة الأولى: روتها لي صديقتي فاطمة تقول أن الشرطة قبل أن تضع الشمع الأحمر على البيت طلبت من شقيق الزوج أن يأتي ليأخذ المؤونة من مخزن البيت و ذهب الى هناك دخل الى المخزن و قبل أن يضع يده على اي شيء شعر بيد تمسك به من كتفه التفت ليجد سعاد أمامه تقول له بصوت حازم "ماذا تفعل هنا يا فتحي" ارتعدت فرائصه و غادر المكان بدون أن يأخذ شيئا..
من عجائب الذاكرة أذكر اسم شقيق الزوج و لا أذكر اسم الزوج و هو الشخصية الرئيسية في الأحداث.
تذهب إلى بيت أمها وتتوسل لرؤية اطفالها ..
القصة الثانية: تقول فاطمة أنّ شبح سعاد يذهب إلى بيت والدتها كل ليلة حيث أن أبناءها قد أخذتهم جدّتهم –والدة سعاد- لتقرع النافذة و تستعطف والدتها لتفتح لها لكن الأم , من شدّة خوفها و رعبها,لم تكن تستجيب.
القصة الثالثة: أيضا روتها لي فاطمة تقول أنّ ابن عمّها و هو أيضا قريب سعاد كان قد خرج فجرا إلى المقبرة ليجمع الصبّار فقد كانوا يطعمون الصبّار للمواشي صيفا عندما يقلّ العلف و لأن المقبرة محاطة بسور من نبات الصبّار فقد ذهب إلى هناك و أخذ معه عربة صغيرة ذات عجلة واحدة تعرف عندنا ب"البرويطة" ليضع داخلها الصبار و فيما كان منهمكا في جمع الصبار و تكديسه داخل العربة ظهر له خيط أبيض دخاني و بدأ يدور حوله ففزع و جرّ عربته هاربا لكن الخيط الدخاني لم يتركه و ظل يلاحقه و يتلاعب به حتى وقع داخل العربة وسط نبات الصبّار الذي جمعه و امتلأت مؤخرته شوكا .
القصة الرابعة : روتها لي خالتي , حيث حلّت ضيفة رفقة جدّتي و خالتي الأخرى على بيت فاطمة ليبتن عندهم ليلة كانت حسب تعبير خالتي أطول ليلة مرّت بها في عمرها, فبعد سهرة جميلة خلدن إلى النوم في غرفة الجلوس, و كانت الغرفة واسعة و بها فنار يفتح على السطح , و هي طريقة معمول بها في البناء عندنا حيث يوفر الفنار التهوية و الإضاءة لغرف الجلوس الكبيرة او وسط البيت و يكون الفنار على شكل مربع يرتفع قليلا عن سقف الغرفة و يحتوي على نوافذ صغيرة من الجهات الأربع ,في تلك الليلة و بينما كانت خالتاي ,جدّتي ,فاطمة و شقيقتها ,نائمات فجأة استيقظت خالتي على صوت صراخ مرعب هزّ أركان الغرفة نظرت فوجدت فاطمة تنظر إليها لتقول لا تخافي لقد اعتدنا على ذلك هذا صوت سعاد انها تصرخ كل ليلة على هذا النحو ,و ما إن أنهت فاطمة كلماتها تلك حتى سمعت خالتي صوت شيء يرتطم بنافذة الفنار نظرت فإذا بشيء يشبه الكرة يرتطم بالنافذة يبتعد قليلا ليعاود الارتطام و صوت الصراخ مستمرّ , انتفضت رعبا لتقول لها فاطمة لا بأس تجاهليها انه شبحها هذا ليس بجديد علينا انها على هذه الحال كل ليلة , هم اعتادوا على ذلك لكن خالتاي و جدتي امضين ليلة سوداء لم يستطعن النوم خلالها و ما إن لاحت أولى خيوط الفجر حتى تهيأن للعودة إلى البيت .
و مازالت خالتي تحكي لي حتى اليوم هذه القصة و هي ترتعد خوفا كأنها تعيش تفاصيل تلك الليلة من جديد.
أخيرا,
نعود إلى زوج سعاد , تمّت محاكمة الجاني فحكم عليه بخمسة عشر عاما سجنا , قيل أنّه تمّت مراعاة ظروفه العائلية حيث أنه أب لطفل لرضيع و آخر يعاني من إعاقة و يحتاج إلى العلاج و ليس لهم من معيل غير والدهم لكنّه وقبل أن تنقضي مدّة عقوبته كتبت الصحف أنّه توفّي داخل زنزانته , أظن أنّه مات جرّاء تأنيب الضمير المستمر و تحقّقت فيه عدالة السماء.

الجمعة، 14 أغسطس 2015

فتاة الخوارق .. من الشهرة إلى السجن


صورة سماعة الهاتف التي أثارت الكثير من اللغط ..
منذ أواخر القرن التاسع عشر ، حظي ما يعرف بعلم ما وراء النفس (Parapsychology ) باهتمام كبير ، ليس من قبل الناس العاديين فقط ، بل أيضا من لدن بعض الجهات والهيئات العلمية والأكاديمية المرموقة ، فالحديث عن تمتع الإنسان بقوى خارقة كامنة هو لا ريب أمر مثير يستفز الخيال والفضول ، لكنه أيضا ، وللأسف الشديد ، عصي على الإثبات . نعم هناك مئات القصص عن أناس قيل بأنهم يتمتعون بقوى خارقة ، لكن معظم تلك القصص أو الحالات لم يجري التثبت والتحقق من مصداقيتها تحت ظروف مسيطر عليها من قبل العلماء ، أي في مختبرات خاضعة لرقابة صارمة مما يحول دون ممارسة الغش والخداع . والقليل منها الذي خضع فعلا لاختبارات علمية رصينة كان حليفه الفشل . لذا فأن اهتمام العلماء بهذا المجال البحثي أخذ يفتر تدريجيا منذ أواخر ثمانينات القرن المنصرم . ولعل قصتنا اليوم هي خير مثال على قصص الخوارق التي نالت شهرة وتغطية إعلامية واسعة ثم انتهت إلى لا شيء .
اتجهت الانظار الى مدينة كولومبوس اوهايو ..
في مطلع عام 1984 اتجهت الأنظار نحو مدينة كولومبس – ولاية أوهايو - الأمريكية ، نحو منزل هادئ اجتاحته فجأة أحداث غامضة أثارت الرعب والحيرة في نفوس سكانه . كانت هناك أصوات لا يعلم أحد مصدرها ، مصابيح كهربائية تضاء فجأة من دون أن يلمسها أحد ، ساعات تتوقف عن العمل في وقت واحد دونما سبب ، أثاث يتحرك جيئة وذهابا من تلقاء نفسه ، صحون وأقداح تحلق في الهواء كأنما تحملها أيدي خفية ثم تتساقط وتتكسر على الأرضية ، وتلفزيون يعمل فجأة رغم أن التيار الكهربائي مقطوع عنه ! .
أهل المنزل ، آل ريش ، السيد جون وحرمه السيدة جوان وأولادهما بالتبني تينا وجاك ، إضافة إلى طفلين آخرين كانا في رعاية العائلة ، لم يفهموا شيئا مما يجري ، فاستغاثوا بالجيران والشرطة ، وهكذا انتشرت الأخبار كالنار في الهشيم ووصلت سريعا إلى أسماع وسائل الأعلام فتدفق الصحفيون والمراسلون على المنزل من كل حدب وصوب بحثا عن موضوع غريب يثيرون به أعجاب وفضول القراء والمشاهدين . وقد خرج أحد المصورين ، ويدعى فريد شانون ، بمجموعة من الصور تظهر فيها سماعة الهاتف وهي تحلق بين يدي ابنة العائلة تينا ثم تسقط على الأرض بعيدا عنها .
الشبح الضاج - نسميه نحن الجن - يستخدم كل الوسائل للاعلان عن نفسه .. صورة حقيقة من احدى القضايا .. انظر كيف تطير الكراسي في الهواء ..
كانت صورا محيرة تسببت في لغط كبير حول حقيقة ما يجري في المنزل واستقطبت اهتمام العديد من المختصين بالخوارق والماورائيات . أحد هؤلاء هو الدكتور ويليام رول ، الأستاذ الجامعي المتخصص في علم النفس وما وراء النفس وذو الخبرة الطويلة بمثل هذه القضايا التي تنضوي تحت ما يعرف بظاهرة الأشباح الضاجة أو الصاخبة (Poltergeist ) ، وهي أشباح أو كائنات خفية لا تخجل أبدا من الإعلان عن وجودها ، لا بل تلح في ذلك ، عن طريق إصدار الأصوات وتحريك الأشياء وتحطيم الأغراض ، ولهذا أطلقوا عليها أسم الضاجة أو الصاخبة . لكن الدكتور وليم ونظراءه من الأكاديميين المهتمين بالخوارق كانوا لا يتفقون كثيرا مع الرأي القائل بأن الكائنات الأثيرية كالأشباح والجن هي التي تقف وراء هذه الظاهرة ، بل كانوا يعزونها لقدرات الإنسان الخفية ، فمن خلال مراقبتهم ودراستهم للعديد من المنازل التي عانت من ظاهرة الأشباح الضاجة وجدوا بأن الأحداث الغريبة دائما ما تدور وتتركز حول احد سكان المنزل ، تحدث بوجوده فقط ، وتتوقف متى ما أبتعد عن المنزل ، ولهذا أطلقوا على هذا الفرد أسم الوكيل (Agent ) ، واعتبروه مصدر جميع ما يدور في المنزل من أحداث غريبة لأنه يمتلك قوى خارقة قد تتجلى وتؤثر في محيطه عندما يتعرض لشحن نفسي أو عصبي أو عاطفي ، والمفارقة هو أنه لا يعلم بامتلاكه لتلك القوى ، فتجده مرعوبا متحيرا بشأن ما يجري حوله من دون أن يعلم بأنه هو ذاته مصدر كل ذلك .
تينا .. هل هي ممسوسة .. ام محتالة .. ام تمتلك قوى خارقة ؟ ..
بالنسبة لقضية عائلة ريش فقد كان ذلك الوكيل هو تينا ، ابنة العائلة ذات الأربعة عشر ربيعا . كانت فتاة مثيرة للمشاكل ، هجرها والداها الحقيقيان حين كانت طفلة رضيعة فتبناها الزوجان ريش ، وللأسف لم تكن حياة الفتاة في كنف والديها بالتبني سهلة . الزوجان ريش كانا يحظيان باحترام كبير على مستوى مدينة كولومبس لمساعدتها ورعايتهما لأكثر من 200 طفل يتيم ولقيط ، لكنهما كانا صارمان جدا في تعاملهما مع الأطفال ، متطلبان وغير متسامحان ، وجدت تينا صعوبة كبيرة في التكيف معهما ، كانت تعاني مشاكل في التعبير عن نفسها أو جعل الآخرين يصغون إليها ، ولهذا السبب كانت تصاب من حين لآخر بنوبات من الغضب الشديد ، فتصرخ وتشتم بصوت عالي ، مما يعرضها للتوبيخ والضرب على يد والديها . ولم تقتصر مشاكل الفتاة على المنزل بل امتدت إلى المدرسة ، فعلاقتها بزملائها كانت متشنجة ، كانت لديها صديقة واحدة فقط ، ولسوء الحظ ماتت تلك الصديقة في حادثة حينما كانت تينا في الثالثة عشر من عمرها ، وفي تلك الفترة أيضا بدأت تتعرض لتحرشات جنسية من قبل شقيقها جاك ، الذي كان هو الآخر طفلا متبنى من قبل الزوجان ريش ، ونتيجة لهذه المآسي والضغوطات النفسية أخذت الفتاة تتعرض لنوبات عصبية متكررة ، حتى شك والديها في أصابتها بالصرع ، واجبراها على تناول الأقراص المهدئة ، لكن ذلك لم يجدي نفعا معها ولم يحسن من سلوكها .
يوم 1 مارس / نيسان 1984 كان بمثابة نقطة تحول في حياة تينا وعائلتها ، في ذلك اليوم تشاجرت تينا مع والدتها جوان ، وكانت على وشك أن تتعرض لضرب مبرح على يد والدها جون حينما بدأت الأحداث الغريبة تطل برأسها فجأة في جميع أرجاء وأركان المنزل ، أخذت الصحون والأقداح وحتى اللوحات على الجدران تتطاير وتتساقط على الأرض . وعلى وقع صرخات آل ريش المرعوبين توافد الجيران نحو المنزل وشاهدوا بأم أعينهم تلك الغرائب التي لا تخضع لأي منطق والتي تركزت حول تينا ، شاهدوا فنجان قهوة يرتفع عن المنضدة ويطير في الهواء ثم يسقط في حضن تينا ويتدحرج على الأرض ، فآمن الكثير منهم بأن الفتاة ممسوسة .
ولم يطل الوقت حتى بدأ الصحفيون والمراسلون يتوافدون على المنزل ، وفي الخامس من مارس ألتقط الصحفي فريد شانون مجموعة من الصور الفريدة ، 36 صورة متوالية ، تظهر خلالها سماعة الهاتف وهي تحلق بين يدي تينا .
أحد الصحفيين الحاضرين سأل تينا قائلا : "هل تشعرين بالخوف عندما تتحرك الأشياء" . فأجابت : " كلا .. لا أشعر بالخوف من تحرك الأشياء ، لكن الأمر يكون مرعبا قليلا حينما تبدأ بالطيران ، أتمنى لو تتوقف ، مازلت لا أصدق بأن أمورا كهذه يمكن أن تحدث " .
أما والد الفتاة فقال للصحفيين : " لقد رأيت هذه الأمور الغريبة بأم عيني ومع هذا لا أزال لا أصدق أنها تحدث ، كيف بحق السماء يمكن لقدح زجاجي أن يطير بزاوية تسعين درجة عبر الباب ، وكيف يمكن للتلفزيون أن يشتغل حينما لا يكون مربوطا للكهرباء " .
وأثناء تجوالهم في المنزل لاحظ الصحفيون بأن الجدران تكاد تخلو من أي زينة ، لا وجود لأي لوحات أو مرايا ، لا بل أن المنزل يكاد يخلو من كل ما هو مصنوع من الزجاج ، وحين استفسروا من ربة المنزل عن سر ذلك ، أجابتهم قائلة : " لقد تكسرت معظم زجاجيات المنزل بسبب الأحداث الغامضة ، لذلك خبأنا المتبقي منها ، أي كل ما يمكن أن يتعرض للكسر أو يمكن أن يؤذي الآخرين " .
تينا .. اثناء اختبار تحت اشراف الدكتور رول ..
وبحلول يوم 11 مارس ، ومع زيادة اللغط حول المنزل ، زار الدكتور وليام رول منزل آل ريش بنفسه ، كانت زيارته تلك مقدمة لعلاقة وطيدة مع تينا امتدت لسنوات ، أخضعها خلالها للعديد من الاختبارات ، سواء في منزلها ، أو في مختبرات الجامعة حيث يعمل ، وظل الرجل حتى آخر أيامه مؤمنا بأن قدرات الفتاة حقيقية . لكن حماسة الدكتور رول تجاه تينا لم يشاطره فيها الكثيرون ، خصوصا الساحر جيمس راندي المعروف بتشكيكه بمعظم ظواهر ما وراء الطبيعة والمشهور بفضحه للعديد من المخادعين والمحتالين الذين سوقوا أنفسهم كمتنبئين ووسطاء روحيون وأصحاب قوى خارقة ، وهو أيضا صاحب جائزة المليون دولار الشهيرة ، حيث تعهد بدفع مبلغ مليون دولار عدا ونقدا لأي شخص يستطيع أن يثبت بأن لديه قدرة خارقة على شرط أن يتم اختباره من قبل العلماء وتحت مراقبة الكاميرات . الغريب أنه منذ ستينات القرن المنصرم وحتى يومنا هذا لم ينجح أي شخص في كسب هذا التحدي .
جيمس راندي .. ساحر .. من اشهر المشككين بقضايا الماورائيات .. يقول جميعها خدع وخفة يد ..
جيمس راندي زار منزل آل ريش لرؤية قدرات تينا واختبارها بنفسه ، لكنه لم يلقى ترحيبا ، إذ منعه جون ريش من دخول المنزل ، ربما خوفا من أن يسخر من العائلة أو يتهمها بالغش والاحتيال . خصوصا وأن العائلة كانت قد ضاقت ذرعا بالصحفيين والزوار الذين ما فتئوا يتوافدون على المنزل ويدورون في أرجائه حتى ساعات متأخرة من الليل على أمل التقاط صورة غريبة لقدرات تينا الخارقة . لكن منع راندي من الدخول لم يفت بعضده ، إذ راح يدرس الأدلة المتوفرة ويستمع إلى الشهود ، وسرعان ما توصل إلى نتيجة بأن كل ما يجري في المنزل هو خدعة من قبل الفتاة المراهقة التي تعاني مشاكل نفسية وسلوكية وتتوق بشدة لجذب انتباه الآخرين وكسب حنانهم وتعاطفهم . وبالنسبة لصورة السماعة الطائرة ، التي تعتبر الدليل الأقوى على قدرات تينا ، فقد قال راندي بأن الصورة هي مجرد حيلة بسيطة وذكية من قبل تينا يمكن لأي منا القيام بها ، فكل ما فعلته في الحقيقة هو أنها رمت بالسماعة في الهواء ، وحين التقطت الكاميرا هذه الرمية بدت السماعة وكأنها تطير حقا ، والدليل هو أن المصور شانون نفسه لم يرى السماعة وهي تحلق في الهواء ، لأنه لم يكن ينظر باتجاه تينا عندما ألتقط الصورة .
مصداقية ما يحدث في المنزل تضررت أكثر عندما نسي أحد المراسلين كاميرا التصوير خاصته وهي تعمل في إحدى حجرات المنزل ، وحين عاد لأخذ الكاميرا وجد بأنها سجلت مقطعا تظهر فيه تينا وهي تتلفت يمنة ويسرة كأنما تتأكد من أن أحدا لا يراقبها ثم تبدأ بالنقر بخفة على أحد المصابيح الكهربائية حتى توقعه من مكانه فينكسر ، وهذا الأمر ، أي تكسر المصابيح ، طالما زعم آل ريش أنه يحدث بسبب القوى الغامضة التي تعصف بالمنزل ، لكن ذلك المقطع أظهر بجلاء بأن وراء الأكمة ما ورائها . وحين جوبهت الفتاة بمقطع الفيديو اعترفت بأنها قامت بذلك ، لكنها قالت بأنها فعلت ذلك من أجل التخلص من الصحفيين الذين أثقلوا عليها وعلى عائلتها حتى ساعة متأخرة من الليل ورفضوا أن يغادروا قبل أن يلتقطوا صورة أو يشاهدوا أمرا غريبا ، لذلك قامت بكسر المصباح خلسة لكي تعطيهم ما جاءوا من اجله فيغادروا .
في الحقيقة كلام تينا لم يخلو من حقيقة ، فالصحفيين وغيرهم من الفضوليين أرهقوا أعصاب العائلة بتواجدهم المستمر في المنزل ، والمشكلة أن الأمور الغريبة لم تكن دائمة الحدوث ، أي قد يمضي يوم أو يومان من دون أن يحدث شيء ، وخلال هذه الفترة كانت تينا تلقى التقريع من عائلتها لأنها برأيهم هي سبب كل هذا البلاء الذي قلب حياة العائلة رأسا على عقب .
لكن رغم التشكيك والتجريح فلم تعدم تينا من مؤمنين بقدراتها ، كان هناك العديد من الناس ممن رأوا الأمور الغريبة وهي تحدث داخل المنزل وأيقنوا بحقيقتها ...
" كيف يمكن لفتاة مراهقة أن تجعل قدحا من الزجاج يطير في الهواء ثم يسقط ويتكسر على الأرض ... لقد شاهدت ذلك بأم عيني " قالت إحدى الجارات بحدة ردا على التشكيك بقدرات تينا .
تحليلي الشخصي .. ربما الامر خدعة كما يقولون .. لكن انظر الى سلك الهاتف .. إلا يبدو تموجه غريب .. وفي الصورة الى الاعلى هل من المعقول ان ترمي تينا الهاتف امام انظار السيدة لي الجالسة إلى يمينها .. كما ان سلك الهاتف الواقع على الارض في الصورة العليا يبدو وكأنه يطير في الهواء .. لاحظ السهم .. الصور محيرة فعلا .. اترك الحكم لك عزيزي القارئ ..
لعل الشهادة الأهم في قضية تينا هي تلك التي أدلت بها السيدة لي ارنولد ، وهي موظفة اجتماعية كانت تزور منزل عائلة آل ريش بانتظام لمراقبة وتقييم حالة الأطفال الذين هم تحت رعاية العائلة . السيدة لي تظهر في واحدة من صور السماعة الطائرة وهي تجلس على المقعد إلى يمين تينا . السيدة لي قالت عن الحادثة بأنها كانت جالسة تتحدث إلى تينا ، وكان كل شيء طبيعي ، لكن فجأة بدأت سماعة الهاتف ترتفع وتحلق في الهواء . السيدة لي أصيبت بالذهول وقامت عن الكرسي مفزوعة لذا لم تظهر في اللقطات الباقية . أهم ما قالته السيدة لي هو أنها لم تشاهد تينا ترمي السماعات بيدها كما زعم جيمس راندي في تحليله للصور ، لكنها للأسف امتنعت لاحقا عن تقديم شهادة حول الموضوع وذلك بضغط من مدرائها في العمل الذين حالوا أن ينأوا بأسم مؤسستهم عن لغط القضية . الشاهدة الثانية في قضية الصور هي طفلة تدعى ليزا كانت تحت الرعاية المؤقتة لعائلة ريش . ليزا كانت في السادسة من عمرها ، كانت تلعب في الحجرة حين بدأت السماعات ترتفع في الهواء ، أصرت بأن تينا لم ترمي السماعات في الهواء لتبدو وكأنها تطير ، بل أن السماعات طارت من تلقاء نفسها ، وحتى بعد سنوات طويلة على الحادث ظلت ليزا مصرة على أن الأحداث التي وقعت في منزل آل ريش كانت حقيقية ، المشكلة الوحيدة هي أن الكثيرين لم يأخذوا بشهادة الفتاة لصغر سنها .
تينا وابنتها امبر برفقة الدكتور رول وزوجته .. علاقتهم كانت وطيدة وامتدت لسنوات ..
كل هذا اللغط ، ما بين مشكك ومؤيد ، أثر على نفسية تينا وعائلتها ، لذا ولتخفيف الضغط عن العائلة ، فقد أخذ الدكتور رول الفتاة معه من اجل دراسة قدراتها الخارقة في مختبرات الجامعة حيث يعمل . تينا أمضت عدة شهور مع الدكتور رول ، وحين عادت لمنزلها أخيرا كانت الضجة حولها قد خبت ، لم يعد الصحفيون والغرباء يطرقون الباب ، عاد المنزل إلى هدوءه المعتاد ، لكن الأمور بين تينا ووالديها لم تعد إلى نصابها القديم أبدا ، فالزوجان ريش حملا الفتاة مسؤولية خراب سمعتهم أمام الجيران ، والتسبب لهم بمشكلات كثيرة مع الصحافة والمتطفلين ، فضلا عن اعتقادهم بأن تينا لم تظهر لهم الاحترام الذي كانا يتوقعانه منها كأبوين . لذلك لم يطل الوقت حتى قررا بيع المنزل والانتقال إلى مدينة أخرى ، طلبا من تينا أن تجد لها منزلا آخر لأنها لم تعد موضع ترحيب في منزلهم .
تينا كانت في السادسة عشر من عمرها حين انتقلت إلى مسكن خيري للنساء اللائي لا يملكن مأوى ، ظلت هناك لسنة تقريبا حتى تعرفت على رجل يدعى جيمس بنيت وتزوجته ، وسرعان ما أتضح بأنه إنسان عنيف وجشع كان يعاملها بقسوة .
في عام 1987 مات جون ريش ، وفي العام التالي ماتت أمه ، أي جدة تينا بالتبني ، وكانت هذه الجدة هي الوحيدة التي تعطف على تينا وتحبها ، لذا تركت لها مبلغ خمسة آلاف دولار في وصيتها ، لكن جيمس سرق المبلغ ، فأقامت تينا عليه دعوى تفريق ونالت الطلاق . وفي عام 1988 رزقت تينا بطفلة أسمتها أمبر ، وكانت مجهولة الأب .
ديفيد هيرين .. الرجل الذي تركت امبر بعهدته ..
في عام 1990 تزوجت تينا مجددا ، هذه المرة من رجل يدعى لاري بويار ، لكنها لم تلبث أن انفصلت عنه بعد أن تبين بأنه سكير وعنيف ، ضربها مرة حتى أفقدها وعيها ، فطلقته ثم ذهبت لتعيش مع الدكتور رول وزوجته بدعوة منهما ، وكانت الفترة التي قضتها معهما هي الأسعد في حياتها ، حيث بدأت تولي اهتماما أكثر بمستقبلها ، وتعلمت التمريض والعمل على الحاسوب . وفي تلك الفترة أيضا تعرفت على سائق شاحنة يدعى ديفيد هيرين ، كان مطلقا ولديه ابنة في الثالثة من عمرها ، بدا رجلا لطيفا ، للمرة الأولى في حياتها ظنت تينا بأنها وقعت على الرجل الصحيح . كانت تثق فيه وتأتمنه على منزلها ، حتى أنها كانت تترك أبنتها أمبر في عهدته حينما تخرج لعمل أو لزيارة أصدقاء . لكن الأيام سرعان ما أثبتت بأن ثقتها ليست في محلها ، ففي ذات يوم من عام 1992 خرجت تينا وتركت طفلتها كالعادة في عهدة حبيبها ، ذهبت لزيارة صديقة ، وبعد عدة ساعات ، أثناء وجودها في منزل صديقتها ، تلقت اتصالا من الشرطة ، طلبوا منها أن تحضر على وجه السرعة ، أخبروها بأن أبنتها قد ماتت .
الأم المفجوعة هرعت إلى المستشفى وهي غير مصدقة ، لقد تركت طفلتها قبل ساعات قليلة وهي في أتم صحة .. فكيف تكون ماتت ؟ .
امبر تلعب .. محزن جدا ما تعرضت له هذه الطفلة الجميلة ..
تشريح جثة الطفلة أظهر بأن موتها جاء نتيجة تعرضها لعدة ضربات قوية على الرأس ، في الحقيقة هي لم تتعرض للضرب فقط ، بل للاغتصاب أيضا ، فتقرير الطبيب الشرعي كشف عن تعرضها لاعتداء جنسي من دبرها مما تسبب لها بنزيف حاد ، هذا بالإضافة إلى وجود آثار جروح قديمة في مناطق مختلفة من جسدها ، الأمر الذي يؤكد تعرضها للاعتداء أكثر من مرة وعلى فترات متباعدة .
بالتحقيق مع ديفيد هيرين ، الذي كانت الطفلة بعهدته ساعة موتها ، قال بأنه شاهد تينا تضرب أبنتها بعنف في عدة مناسبات ، وبأن هذا هو سبب بموتها ، لكن المحققين لم يصدقوا ذلك ، فالطفلة ماتت معه ولم تكن تينا موجودة . وبالتضييق عليه أعترف ديفيد أخيرا بأنه ضرب الطفلة على رأسها أثناء غياب أمها ، وبأنه اعتدى عليها جنسيا يوم موتها .. ولم تكن تلك المرة الأولى ، إذ سبق أن قام بذلك مرتين أثناء غياب أمها .
تصوروا أي حيوان يقدم على هذا الفعل الشنيع بحق طفلة في الثالثة من عمرها ؟!!! ..
تينا بلباس السجن .. وتينا كما هي عليه اليوم ..
بالرغم من اعتراف ديفيد إلا أن الشرطة حملت تينا أيضا مسؤولية مقتل أبنتها ، خصوصا وأن جسد الفتاة كان يحتوي على آثار لجروح عديدة ، بعضها قديم ، والسؤال الأهم الذي طرحه المحققون هو كيف لم تفطن الأم لما تعرضت له أبنتها في غيابها ، هل يعقل بأنها لم ترى الجروح ؟ .. هل يعقل بأنها لم ترى الدم النازف من دبر الفتاة ؟ .. هل يعقل بأنها لم تشعر بأن أبنتها خائفة ومتوترة بعد ما تعرضت له ؟ .
تينا بدورها أصرت على براءتها ، لكن محاميها أقنعها بأن تعترف بالذنب في مقتل ابنتها لكي تتجنب عقوبة الإعدام ، وتلك كانت نصيحة غبية بكل معنى الكلمة ، لأن الأدلة كانت جميعها في صالح تينا وتؤيد براءتها من مقتل أبنتها ، وعلى الأرجح لم تكن لتنال سوى حكما مخففا بتهمة الإهمال والتقصير ، لكنها أخذت بنصيحة محاميها واعترفت بالذنب فنالت حكما مشددا بالسجن لمدة 20 عاما ، ونال ديفيد هو الآخر حكما مماثلا .
في عام 2011 أطلق سراح كل من تينا وديفيد . واليوم لم يعد الكثيرون يتذكرون تينا ريش على أنها الفتاة الخارقة التي أجترحت المعجزات ، بل على أنها الأم التي قدمت ابنتها فريسة ولقمة سائغة لأبشع ذئب بشري .

الأربعاء، 12 أغسطس 2015

أيملي .. الفتاة التي أبتلعها الجسر


دخلت الجسر قبل أكثر من مئة عام ولم تفارقه حتى يومنا هذا ..
لكل منا خط حياة ، أفتح كفك وستراه ، أنه ذلك الخط الذي يبدأ من فوق إبهامك ويمتد على شكل قوس وصولا إلى معصمك ، أنظر إليه جيدا ، دقق وتمعن فيه .. هل هو مكتمل ومحفور جيدا في باطن كفك أم هو غير واضح المعالم وفيه تقطع وتهتك .. لا تجزع! .. هو لا يدل على طول عمرك ، بمعنى أن طوله أو قصره أو شكله لا علاقة له بعدد السنين التي ستعيشها على هذه الأرض قبل أن يطويك الثرى وتصبح من الغابرين ، لكن له علاقة بطبيعة حياتك ، صحتك ونشاطك ورفاهيتك والتغيرات والمحن التي ستعرفها على مر السنين .
الخطوط الرئيسية لكف الانسان .. هناك خطوط اخرى كثيرة ..
خطوط الكف أوضح وأجمل وأكمل في أيدي الأغنياء منها في يد الفقراء .. لماذا ؟ .. ببساطة لأن الأغنياء لا يعملون بأيدهم كثيرا ، لهذا تكون كفوفهم واضحة المعالم ، طرية وناعمة كالحرير . أما أيدي الفقراء فخشنة ، يابسة ، محيت ملامحها من كثرة الاستعمال ! .. كأنها انعكاس لواقع باهت وبائس .
طبعا قد يقول قائل بأن هذا الكلام لا أساس له من الصحة ، مجرد خزعبلات ، لكن ثق عزيزي القارئ بأنه لا يخلو من حقيقة ، أنه كالقول بأن "الفقراء لا يدخلون الجنة" ، فليس المقصود أن الله يمنع الفقراء من دخول الجنة كونهم فقراء ، لكن العوز يجعل الفقير كثير الشكوى والتذمر ، والله لا يحب سوى الشاكرين الحامدين لنعمه . والحاجة قد تدفع الفقير لاقتراف الذنوب والموبقات ، وهذا يفسر لنا لماذا أغلب المدن والأحياء الفقيرة حول العالم تكون موبوءة بالسرقة والدعارة والمخدرات ، وهي أمور لا تقود إلى الجنة طبعا ، كما أن الفقير لا يملك مالا مثل الغني ليذهب في آخر عمره إلى الحج ويتصدق على الفقراء أو يبني مسجدا ثم يموت بعهدها ليجد أمامه قصرا حاضرا في الجنة ، الفقراء في الواقع ليس لديهم مال لشراء قصور لا على الأرض ولا في السماء .. بالكاد لديهم مال لشراء قبر ! .
لكن لحظة .. ما داعي كل هذه المقدمة الطويلة العريضة عن خط الحياة والغنى والفقر ؟ ..
في الحقيقية هي بسبب أيملي ..
عفوا من هي أميلي ؟ ..
ماري عاشت في هذه المدينة الجميلة .. ستو ..
إنها فتاة جميلة وثرية عاشت في القرن التاسع عشر وأثارت غيظي بسبب غبائها ، كل ما كان عليها أن تفعله هو أن تنظر وتتمعن جيدا في خطوط كفها ، كانت سترى الخطة المرسومة لحياتها واضحة لا لبس فيها ، وهي أن تتزوج شابا ثريا مثلها ، وأن تنجب أطفالا أصحاء ، وتعيش في سعادة ورفاهية لما تبقى من عمرها في منزل فخم كبير وهي محاطة بالخدم والحشم .
لكنها لم تفعل ذلك . كانت للأسف من ذلك النوع من البشر الذين يعشقون الشقاء ، اختارت أن تعشق شابا فقيرا بالكاد يملك قوت بطنه ، أسمه دونالد ، يعيش في واحدة من تلك الأحياء التي لا يذهب سكانها إلى الجنة ! .
كان حبهما من النوع الناري ، لا أدري إن كنت جربت هذا النوع من الحب عزيزي القارئ ، لكن دعني أخبرك كيف يكون ، أنه كشعلة متأججة من اللهب ، أنت تعلم جيدا بأنها ستحرقك ، ومع هذا تضع يدك فيها طائعا صاغرا متلذذا بآلامك ومستأنسا بآهاتك .. باختصار هو أجمل عذاب يمكن أن تجربه في حياتك ، وهو أيضا أكبر حماقة يمكن أن تقترفها في حياتك ! .. هو كمخدر الأسنان ، يزول أثره سريعا ، خصوصا إذا ما انتهى بالزواج ، عندها تختفي اللذة ولا تبقى سوى الحروق .  
على العموم ، دعونا نعود لأيملي ، فهذه الفتاة الناكرة للجميل كانت كثيرة التذمر من أهلها ، أبوها وأمها كانا يريدان لها الأفضل وهي تشتمهم وتلعنهم لأنهما يرفضان أن ترتبط بحبيبها الفقير . منعاها من رؤيته فإذا بها تجلبه إلى منزلهما بكل وقاحة ليطلب يدها منهما رسميا .
أعتقد المشهد التالي من قصتنا معروف لأغلبكم ..
ايملي احبت شابا فقيرا ..
شاب فقير معدم جاء لطلب يد شابة جميلة من عائلة ثرية ومرموقة ، النتيجة هي أن الخدم حملوه على الأكتاف ثم رموه خارج المنزل كالكلب الأجرب ، ذلك بعد أن هدده والد الفتاة بأنه في المرة التالية التي سيوسخ فيها أرضية منزلهم الرخامية البراقة بحذائه القذر المتهرئ فأنه سينتهي بطلقة في رأسه .
لا أفهم لماذا بعض الناس يضعون أنفسهم في مواقف محرجة كهذه ! .. ولماذا لا يتعلمون من تجاربهم السيئة ، فبدل أن يتعض دونالد من "العلقة" التي أكلها في منزل والد حبيبته ، بدل أن يترك الفتاة ويمضي لسبيله ، راح يحرضها على الهرب معه . ولم تبدي هي أي اعتراض أو امتعاض ، لا بالعكس .. كانت سعيدة مغتبطة بهروبها من الغنى والثراء إلى الفقر والشقاء ! .
وفي ليلة مدلهمة غاب عنها القمر ، بعد أن نام أهلها ، تسللت أميلي من منزلها خلسة وراحت تعدو نحو المكان الذي واعدت فيه حبيبها لكي يهربا معا . وكانا قد تواعدا على الالتقاء عند جسر غولد بروك (جدول الذهب) الخشبي العتيق الذي يبدو من بعيد كأنه دب بني عملاق فاغر فاه ليبتلع كل من يعدو إلى داخله .
ركضت أميلي نحو حبيبها ، ومع كل خطوة كان قلبها يقفز فرحا ، أظنك جربت ذلك الشعور عزيزي القارئ ، أعني الترقب والاشتياق الشديد لشيء أو حدث ما ... أنه شعور يجعل أعضاء بدنك كلها تنتظم في أهزوجة راقصة ! ..
وصلت أميلي للجسر أخيرا ، تلفتت ذات اليمين وذات الشمال ، لم يكن من أثر لدونالد ! ..
انتظرت طويلا .. ليس معها سوى دمعتها وصرير جنادب الليل ..
انتظرت .. وانتظرت ..
اميلي انتظرت عند هذا الجسر طويلا ..
لكن دونالد لم يأتي أبدا ، لا أحد يعلم ماذا جرى له وما الذي منعه من الحضور ، يقال بأن والد الفتاة علم بخطة هروب أبنته فأرسل من قام بقتل حبيبها ، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية فأن أحدا لم يرى الشاب العاشق بعد تلك الليلة المشئومة .
أما أيملي .. فهناك روايات عدة لما جرى لها ..
يقال بأنها وبعد أن طال أنتظرها على الجسر وتسلل اليأس إلى قلبها قررت العودة إلى منزلها ، عادت وهي تجر أذيال الخيبة وتنتحب بحرقة من غدر الحبيب ، لكنها لم تبعد كثيرا عن الجسر ، لم تمشي سوى لبضعة خطوات حتى ظهرت عربة مسرعة تجرها خيول جامحة ، الحوذي العجوز لم يرى أيملي في الظلام الدامس ، وأيملي الغارقة في أحزانها وخيبتها لم تنتبه أصلا لقدوم العربة ، وسرعان ما انتهى ذلك المشهد بأيملي تحت حوافر الخيل ، ماتت في الحال .
هناك رواية أخرى تقول بأن أيملي من شدة إحباطها انتحرت بشنق نفسها على إحدى دعامات الجسر .
وهناك أيضا من يزعم بأن أيملي كانت حاملا من حبيبها ، وبأنها عادت إلى منزلها حين لم يأتِ إليها في تلك الليلة . بعد فترة ظهرت عليها بوادر وعلامات الحمل فأراد والدها أن يزوجها برجل لا تحبه من أجل أن يغطي على الفضيحة ، لكنها طلبت منه أن يمهلها حتى تفرغ من حملها ، وقد أنجبت توأما جميلا ، وفي اليوم التالي تسللت إلى الجسر الخشبي وانتحرت هناك .
على العموم ، أيا ما كانت الرواية الصحيحة فأن أيملي ماتت فوق ذلك الجسر الكئيب وتحولت قصتها بالتدريج إلى حكاية حزينة مرعبة يقصها الناس لأطفالهم في ليالي الشتاء الباردة ، وأقول مرعبة لأن الجسر بدأ يشهد أحداثا وأمورا غريبة منذ ذلك الحين .
زعموا رؤية فتاة ترتدي ثوبا ابيض تجري ..
بعض الذي مروا بالجسر ليلا زعموا بأنهم سمعوا صوت فتاة تنتحب ، لكن  حين فتشوا الجسر لم يعثروا على أحد . هناك أيضا من زعموا بأنهم شاهدوا فتاة ترتدي ثوب العرس الأبيض تجري فوق الجسر ثم تختفي في الظلمة . آخرون قالوا بأنهم رأوا فتاة مشنوقة فوق دعامة الجسر .
هناك أيضا مزاعم حول تعرض بعض زوار الجسر لهجوم خفي حيث وجودوا جروح ناجمة عن خربشة أظافر على أجسادهم ، وحتى على سياراتهم ، ويقال بأن أكثر من يتعرضون لهذه الحوادث هم الرجال .
ولا تقتصر قصص شبح الجسر على الروايات الشفهية ، فهناك أيضا صور منشورة على بعض المواقع يظهر فيها ما يشبه وجه أو جسم فتاة وسط الظلام الحالك الذي يلف الجسر .
طبعا معظم الناس يؤمنون بأن من يقف وراء تلك الأمور الغريبة والغامضة هو شبح أميلي البائس ، يقال بأنها مازالت تنتظر حبيبها هناك على الجسر ، تتلفت بيأس بحثا عنه ، وتشعر بالحنق والغضب لعدم حضوره فتنفس عن غضبها بمهاجمة المارة وزوار الجسر ، خصوصا الرجل ، فالغدر وقلة الوفاء شيمة يشتركون فيها جميعا – حسب وجهة نظر بعض النساء - .
أما لماذا سكنت روح أيملي الجسر .. ولماذا لا تغادر إلى العالم الآخر ؟ .. فبحسب معتقدات بعض الشعوب تتحول الأرواح المعذبة والمغدورة إلى أشباح أو عفاريت بعد موتها ، وكلما كانت ميتة الشخص مفجعة ومؤلمة أكثر كلما زاد احتمال تحوله لشبح بعد موته .
هل هناك حقا شبح يسكن هذا الجسر ؟ ..
وهناك من يرى بأن الشبح هو قرين الميت ، والقرين هو من الجن ، يرافق الإنسان في حياته وقد يبقى بعد مماته ، وغالبا ما يبقى هائما على وجهه في البقعة التي مات فيها قرينه .
رأي آخر يزعم بأن الجن والأرواح الشريرة تستغل خوف الناس من بعض الأماكن التي تدور حولها القصص المرعبة فتعمد إلى العبث بعقولهم عن طريق تصورها في هيئة أشباح .
أما العلماء فيقولون بأن الأشباح هي مجرد تجلي لمخاوف الإنسان ، أي أنها هلوسات وتهيؤات ناجمة عن خوف شديد ، أظن بأننا كلنا جربنا هذا الشعور بعدم الراحة بعد رؤية فيلم رعب ، حيث يصبح أقل صوت مثيرا للريبة وباعثا على القلق . ورأي العلماء هذا هو الأقرب لتفسير ما يحدث عند جسر أيملي ، فالمصادر التاريخية في مدينة ستو الأمريكية ، حيث عاش كل من أيملي ودونالد ، تغفل تماما عن أي ذكر لهما ، ولا توجد أي أشارة تدل على انتحار أو موت فتاة شابة عند غولد بروك . على الأرجح فأن قصة أيملي لم تظهر للوجود إلا في ستينات القرن المنصرم ، يقال بأنها قصة اختلقتها إحدى طالبات الثانوية ، وفي لقاء مع هذه الفتاة زعمت بأنها توصلت للقصة بعد أن أجرت هي وزميلاتها جلسة تحضير أرواح عن طريق لوح الويجا فوق الجسر ، وبعد تلك الجلسة مباشرة بدأت المشاكل والأحداث الغريبة .
على العموم أيا ما كانت الحقيقة .. فأن الجسر الذي أبتلع روح أيملي صار يعرف بأسمها ، أي جسر أيملي ، وأصبح من الأماكن الأكثر جذبا للسياح في مدينة ستو الأمريكية ، كل عام يزوره الآلاف من عشاق الأدرينالين . ويقال بأن الوقت الأنسب لمقابلة الشبح هو بين الساعة التاسعة مساءا والثالثة فجرا .

ختاما ..

اعتذر لأحبابي القراء عن أسلوبي المتهكم في هذا المقال ، أنا لم أقصد التندر على الفقراء ولا السخرية من الأغنياء . الفقراء بالنهاية لم يختاروا فقرهم ، وليس ذنب الأغنياء وجود الفقراء . الأمر بالنهاية ليس طبقيا بقدر ما هو مالي ، أعني أن الفقير سيحاول التصرف كغني لو صادفه الثراء ، والغني سيتصرف حتما كفقير لو ضاع ماله . ما أقوله أنا هنا هو أن الإنسان يجب أن يكون عمليا في نظرته لواقعه ، هب أن دونالد تمكن فعلا من الزواج بأيملي ، كيف كان سيوفر متطلباتها كفتاة غنية لم تعرف الفقر والعوز أبدا ، وقد قال أحدهم قديما : " عندما يطرق الفقر الباب يهرب الحب من الشباك " ... نعم قد يعشق الفقير فتاة ثرية ، وتبادله هي الحب والغرام ، لا بأس في ذلك .. ما دام مقتصرا على أحاديث الفيسبوك وهمسات الجوال ، أما الهرب معا ، والتواعد ليلا عند جسر مظلم ، فتلك حماقة كبرى تنتهي عادة بقصة مرعبة كهذه التي سردناها على حضراتكم قبل قليل .

السبت، 25 أكتوبر 2014

صورة ومأساة (1) – الفتاة في الإسطبل المهجور


ريجينا كاي واترز .. صورتها قبل أن تقتل ..
قبل سنوات بعيدة عملت لفترة في مصنع نائي يقع خارج المدينة ، كنت أعمل ليلا وهناك حافلة خاصة بالمصنع تعيدني إلى المدينة فجرا برفقة العمال . كنت ضعيف الحال ، لذلك كنت أعمل في أيام العطل لكسب بعض المال الإضافي ، وطبعا لم تكن الحافلة تأتي في أيام العطل ، لذلك كنت اضطر للوقوف على قارعة طريق خارجي مقفر بانتظار توصيلة ، أومئ بيدي لسائقي الشاحنات الثقيلة لعل أحدهم يقف لي ، كانت المسألة أشبه باليانصيب ، أحيانا لا أقف سوى لدقائق معدودة ، وأحيانا أخرى يمتد وقوفي لساعة أو أكثر ، فأغلب سائقي الشاحنات لا يتوقفون ، ومعهم حق في ذلك ، فأولا إيقاف شاحنة ضخمة على جانب طريق مظلم وضيق ليس أمرا سهلا ، وثانيا الوقوف لرجل غريب في عتمة الفجر لا يكون عملا حكيما دوما . على العموم ، من خلال تجربتي أستطيع أن أقول بأن سائقي الشاحنات الذين يتوقفون من أجل توصيل الناس يفعلون ذلك أما بدافع الشهامة أو بسبب الضجر نتيجة سيرهم لمسافات طويلة بمفردهم أو مقابل بعض المال ، خصوصا حين تكون المسافة طويلة ولا يكون السائق هو مالك الشاحنة الأصلي . وقد تكون لهم مآرب أخرى ، دنيئة ربما ، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالنساء ، وهو أمر لم تضعه رجينا كاي واترز بالحسبان حين قبلت الصعود إلى شاحنة رجل غريب في ليلة ما من عام 1990 .
رجينا .. صبية جميلة ومرحة ..
كانت في الرابعة عشر من عمرها ، وردة متفتحة ، جميلة وذكية ، لكنها للأسف لم تحظى بحياة أسرية هادئة وهانئة ، فوالديها مطلقان ، وشقيقتها الكبرى ماتت منتحرة ، أما شقيقها الأكبر فلديه مشاكل مستمرة مع الشرطة . عاشت في كنف والدها لسنوات ، ثم ذهبت لتعيش مع أمها . وفي أول يوم لها مع أمها تعرفت على شاب من الجوار يدعى ريكي ، كان في الثامنة عشر من عمره ، ويعاني أيضا مشاكل أسرية . أنجذب الاثنان لبعضهما سريعا ، وبعد يومين فقط على اللقاء الأول اتفقا على الفرار معا إلى المكسيك ، هربا من منزليهما وهما لا يملكان شيئا من حطام الدنيا سوى حبهما الوليد الساذج الذي حملاه معا بجيوب خاوية نحو الحدود المكسيكية . لم يكن من سبيل أمامهما للوصول إلى هدفهما إلا بالبحث عن توصيلة مجانية ، لذلك لم يترددا كثيرا في الصعود مع سائق شاحنة غريب توقف لهما وعرض إيصالهما إلى الحدود ... لكنهما للأسف لم يصلا أبدا .
انقطعت أخبار رجينا تماما عن أهلها ، وزاد قلقهم حول مصيرها ، خصوصا حين بدأ والدها يتلقى مكالمات من رجل مجهول ذو نبرة بغيضة زعم بأن رجينا موجودة معه وقال ساخرا : "لقد أجريت بعض التعديلات على أبنتك ، قمت بقص شعرها " .
كان مصدر المكالمات هواتف عمومية من مدن شتى ، لذلك وجدت الشرطة صعوبة في تعقب وتحديد هوية المتصل .
وبعد أشهر عدة تم العثور على جثة في إسطبل مهجور بالقرب من طريق خارجي في إلينوي ، تبين بالفحص الجنائي أنها تعود لفتاة ماتت مقتولة قبل أسابيع ، وبأنها تعرضت للاغتصاب والتعذيب الشديد قبل مقتلها . كان عارية ، شعرها محلوق كالصبيان ، وتم أيضا حلق شعر عانتها ، وقد قتلت بواسطة سلك لفه القاتل حول رقبتها ستة عشر مرة ثم ربطها بواسطته إلى لوح خشبي .
بالبحث في سجلات المفقودين في عموم البلاد تم التعرف على صاحبة الجثة ، إنها رجينا كاي واترز ، تلك الفتاة الرقيقة التي فرت من منزلها ولم تعد أبدا . في البداية حامت شكوك الشرطة حول ريكي ، الشاب الذي رافق القتيلة في رحلة الهرب ، لكن معارفه وأصدقاءه أجمعوا على أنه ليس من النوع العنيف ، كما أن أسلوب الجريمة لم يكن أسلوب شاب غر يقتل لأول مرة ، بل أسلوب شخص متمرس بالقتل ، وفوق هذا كله فأن ريكي كان قد اختفى هو الآخر ولم تعثر له الشرطة على أثر .
تحقيقات وتحريات الشرطة حول الجريمة سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود ، كان واضحا بأن هذه القضية ستضاف إلى مئات القضايا التي تخص أشخاص يعثر على جثثهم بالقرب من الطرق الخارجية ولا يتم التوصل إلى القاتل أبدا . لكن ما لم تدركه الشرطة آنذاك هو أن رأس الخيط الذي سيقودهم إلى القاتل كان موجود سلفا في يد زملاء لهم في ولاية أخرى .

شاحنة الرعب

شاحنة متوقفة على جانب الطريق ..
في ساعة مبكرة من فجر يوم 1 ابريل عام 1990 كان الشرطي مك ميلر يقود سيارة الدورية في مهمة روتينية على طريق خارجي في أريزونا ، لم تكن الشمس قد أشرقت بعد ، لكن كان هناك خيط أبيض رفيع يلوح بالأفق . الشرطي ميلر لمح وميض أنوار شاحنة ضخمة من نوع قاطرة ومقطورة (تريله) متوقفة على جانب الطريق فركن سيارته بالقرب منها عازما على تنبيه السائق إلى خطورة الوقوف في مكان كهذا في هذه الساعة المبكرة ، لكنه لم يشاهد السائق خلف المقود ، فظن بأنه عاد إلى مؤخرة الكابينة من اجل أخذ غفوة ، وكانت كابينة هذه الشاحنة من النوع الكبير كأنها حجرة .
الشرطي ميلر ارتقى إلى الكابينة ، كانت هناك ستارة تفصل كرسي السائق عن مؤخرة الكابينة ، ما أن أزاحها حتى وجد نفسه وجها لوجه مع امرأة عارية تماما ومقيدة بالأغلال وفي فمها لجام من الجلد . كان منظرا صادما جعل الشرطي ميلر يتجمد في مكانه لبرهة ، لكنه سرعان ما استفاق من صدمته على وقع الصرخات المكتومة التي أخذت المرأة تطلقها بصعوبة من وراء اللجام ، راحت تنتفض وتتلوى وسط أغلالها كأن لسان حالها يقول : "أنقذني أرجوك" . في هذه اللحظة بالذات ظهر من الظلام المحيط بالشاحنة شبح رجل طويل ونحيل ، كان السائق ، يبدو بأنه كان يتفقد مؤخرة الشاحنة ، وحالما رأى الشرطي ميلر حتى بادره قائلا : " لا بأس أيها الضابط .. كل شيء على ما يرام " ! .
الشرطي ميلر لن ينسى أبدا تلك اللحظة التي رأى فيها وجه السائق روبرت بين رودز ، كان ذلك الوجه ينضح خبثا وشرا ، وكانت رؤيته كفيلة بجعل الشرطي ميلر يسحب مسدسه بسرعة ويصوبه نحو السائق وهو يصرخ بحزم : "قف مكانك ! .. أنبطح أرضا .. أي حركة وسأطلق النار " .
انقذني ارجوك ..
السائق استجاب للتهديد وأنبطح أرضا ، فنزل الشرطي ميلر ووضع الأصفاد في يديه ثم سحبه نحو سيارة الدورية حيث وضعه في المقعد الخلفي ثم أتصل بمركز العمليات طالبا دعما فوريا . ولم ينس طبعا أن يهرول عائدا نحو الكابينة ليساعد تلك المرأة المكبلة بالأغلال ، المسكينة كانت منهكة ومنهارة تماما بسبب الجهد البدني الجبار الذي بذلته للفت انتباه الشرطي إليها ، وما أن رفع ميلر اللجام عن فمها حتى بدأت تصرخ بهستيرية : "أنقذني أرجوك .. لا تدعه يؤذيني .. لا تتركني .. أتوسل إليك " .
في هذه الأثناء كان زملاء الشرطي ميلر قد وصلوا وانضموا إليه ، أخذوا المرأة إلى المستشفى ونقلوا سائق الشاحنة إلى مركز الشرطة للتحقيق معه . وبعد ساعة وصل المحققون وضباط الأدلة الجنائية لتفقد الشاحنة وذهلوا على الفور لما شاهدوه داخل تلك الكابينة الرهيبة ، كانت هناك أغلال وأصفاد وحبال ، إضافة إلى مجموعة كبيرة من السياط والسكاكين والعصي الكهربائية والكمامات والإبر والدبابيس والأسياخ والألعاب الجنسية .. كانت الكابينة في الواقع عبارة عن مسلخ متحرك ، وكان واضحا بأن تلك الوسائل والأدوات استعملت أكثر من مرة .
بالعودة إلى المرأة في الكابينة فقد أخبرت المحققين لاحقا بأن أسمها هو ليزا بنل ، وبأنها قابلت سائق الشاحنة في استراحة سواق الشاحنات على الطريق قرب فيونيكس وقبلت توصيلة منه ، كانت معتادة على الركوب المجاني مع سائقي الشاحنات ، وآخر ما تذكره عن تلك الليلة بأن السائق قدم لها كوبا من القهوة فاستغرقت في النوم لتستيقظ وتجد نفسها عارية ومقيدة بالأغلال في كابينة الشاحنة ، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلتها مع العذاب على يد سائق مجنون تعج نفسه بشهوات ورغبات سادية منحرفة ، كان يجد نشوة عارمة في اغتصابها وتعذيبها ، كان يضع قارصات حديدية على حلمتيها ، ويحشر أجساما وألعابا جنسية ضخمة في مناطقها الحساسة ، ويضع اللجام في فمها ثم يمتطيها كالحيوان ويضربها بالسوط ، ويستمتع بغرز الدبابيس والإبر في جسدها ، أو يقوم بتعليقها بالسلاسل ويربطها بالحبال في وضعيات مختلفة إلى سقف الكابينة ثم يغتصبها وهي على تلك الحال ، وكان يحلو له أحيانا جعلها ترتدي فستان سهرة مع حذاء كعب عالي ثم يقوم بتمزيق الفستان عليها ويغتصبها . وكان يتفاخر أمامها بأن ما يمارسه عليها الآن من تعذيب واغتصاب سبق أن مارسه على نساء أخريات لمدة خمسة عشر عاما .

تحرش جنسي

روبرت رودز .. صورة له في السجن ..
معرفة وتحليل نفسية كل مجرم – بل كل إنسان - تطلب العودة إلى طفولته ، فهناك حتما في مرحلة ما ، أمر أو حدث أثر على تفكيره ومسخ روحه ، لهذا تجد أكثر القتلة والسفاحين عاشوا في كنف أسر مفككة ولم يحظوا بطفولة سعيدة .
روبرت بين رودز ولد في بلدة صغيرة بولاية ايوا عام 1948 وعاش سنواته الأولى مع أمه فقط لأن والده كان دائم السفر . روبرت كان طفلا مميزا ، يشارك في الكثير من النشاطات ، فهو لاعب في فريق كرة قدم المدرسة ، يمارس المصارعة ، ويشارك في الجوقة الموسيقية ، كان محبوبا ولديه الكثير من الأصدقاء .
طفولة روبرت البهيجة كانت من النوع الذي قلما تجد لها مثيلا في سير المجرمين والسفاحين ، لكنها لم تكن تخلو من نقطة سوداء حرص روبرت على إخفائها لسنوات ، ففي مرحلة ما من صباه أو مراهقته عاد والده ليعيش مع الأسرة ، ويبدو بأن ذلك الوالد الذي كان غائبا لسنوات اعتدى أو تحرش بأبنه جنسيا .
كان والد روبرت ذو سجل حافل بالتحرش الجنسي بالأطفال وقد ألقي القبض عليه عام 1966 بتهمة الاعتداء على طفلة في الثانية عشر من عمرها وانتحر بعدها بفترة قصيرة . هذه الحادثة كانت بمثابة نقطة تحول في حياة روبرت ، أنخرط بعدها في نشاطات إجرامية وألقي القبض عليه مرتين خلال دراسته الثانوية ، الأولى بسبب السرقة وقيادته لسيارة بتهور ، والثانية بسبب اشتراكه في عراك شارع .
بعد إكماله الثانوية تطوع في مشاة البحرية الأمريكية ، لكن سرعان ما تم تسريحه بشكل غير مشرف لاتهامه بالسرقة . ألتحق بعدها بالجامعة ، لكنه لم يكمل دراسته ، ثم تقدم للعمل في الشرطة ، لكن تم رفضه بسبب سوابقه . أخيرا عاد إلى مسقط رأسه حيث تزوج وأنجب طفلا ، لكنه لم ينجح حتى في زواجه ، إذ تزوج وتطلق ثلاث مرات . وفي منتصف السبعينات ، بعد أن فشل في وظائف شتى ، انتهى به المطاف كسائق شاحنة .
صورة التقطتها له زوجته .. كان مولعا بنوادي العراة ..
الزوجة الأخيرة ، ديبرا ، قالت بأنها تعرفت على روبرت في ملهى ليلي عام 1983 ، كان يرتدي بزة طيار ، سحرها بقامته الطويلة ولباقته ، ولم يكن يخلو من وسامة آنذاك . ديبرا كانت متزوجة ولديها أطفال ، لكنها كانت على خلاف مع زوجها ، وسرعان ما وقعت في حب هذا الطيار الوسيم وتطورت علاقتها معه رغم أنه صارحها بأنه سائق شاحنة وليس طيار .
منذ بداية علاقتهما لاحظت ديبرا بأن تصرفات روبرت لا تخلو من غرابة ، لكنها غضت الطرف عن ذلك حتى وصلت الأمور إلى ما لا يطاق .
في إحدى المرات كانا في طريقهما لسهرة وكانت تجلس إلى جانبه بالسيارة ، فجأة أخرج أصفادا من جيبه ووضعها في يدها ، لكن حين لاحظ بأن ذلك لم يعجبها نزع الأصفاد وتظاهر بأنه يمزح .
وحين تركت زوجها أخيرا وانتقلت للسكن معه بدأ يلح عليها في الذهاب برفقته إلى نوادي العراة . رفضت بشدة ، لكنه بدأ يتحايل عليها بالهدايا والكلام المعسول حتى أقنعها بالذهاب معه ، هناك ، وأمام عينيها ، مارس الجنس مع نسوة أخريات . كان أمرا مزعجا ومحرجا بالنسبة لها ، وبالتدريج بدأت علاقتهما تتعكر على الرغم من أنهما تزوجا رسميا عام 1987 ، أصبحا يتشاجران كثيرا ، وجن جنون روبرت حين علم بأنها عاودت الاتصال بزوجها السابق ، فقام بضربها وأغتصبها بسادية ، وكان هذا آخر عهدها به إذ هجرته في صباح اليوم التالي ولم تعد إليه أبدا ، حدث ذلك قبل إلقاء القبض عليه بعدة أشهر .

ناجية أخرى

عرض عليها أن يوصلها إلى نصف المسافة ..
لم تكن ليزا بنل هي الناجية الوحيدة من جحيم شاحنة الرعب ، كانت هناك امرأة أخرى تدعى شانا هولتز ، نجحت بالفرار من قبضة روبرت قبل بضعة أشهر فقط على اختطاف ليزا . شانا كانت مرعوبة إلى درجة أنها أحجمت عن تقديم بلاغ ضد روبرت ، لكنها تشجعت واتصلت بالمحققين بعد أن قرأت خبر إلقاء القبض عليه في الصحف . قالت بأنها قابلت روبرت أول مرة في استراحة لسائقي الشاحنات في سان برناردينو في كاليفورنيا ، كانت تبحث عن توصيلة إلى مدينة اركنساس ، لم يكن روبرت متوجها إلى هناك لكنه عرض عليها أن يوصلها إلى نصف المسافة فوافقت وصعدت معه .. وليتها لم تفعل .
قالت بأنها شعرت بأمان تام مع روبرت في بداية الرحلة ، كان متحدثا لبقا ودودا وبدا واثقا من نفسه وذو شخصية قوية ، حتى أنه وجه لها نصائح في الحياة . وعند انتصاف الليل تراجعت شانا إلى فراش موجود خلف كرسي السائق ، أرادت أن تأخذ قسطا من الراحة ، نامت لبرهة قصيرة قبل أن تستيقظ على صوت توقف الشاحنة ، حين فتحت عينها شاهدت روبرت يقف فوق رأسها وهو يحدق إليها بصورة غريبة وغير مريحة ، شعرت بالحال أنه يريد بها شرا ، فدفعته وحاولت الفرار ، لكنه عالجها بصفعة قوية رمت بها أرضا ثم أستل بندقيته ووجهها نحو رأسها مما جعلها تستلم له تماما . قام بسحبها عنوة إلى مؤخرة الكابينة ، هناك نزع عنها ملابسها وقام بتكبيلها ثم شرع باغتصابها ، وكما حدث مع ليزا ، فقد مارس عليها أمورا منحرفة كثيرة وأمعن في تعذيبها وإذلالها ، كان يجد متعة كبيرة في معاملتها كالحيوان ، كان يتركها مقيدة طول النهار تتبول على نفسها ، ونادرا ما كان يطعمها ، لا يفعل ذلك إلا عندما تلبي رغباته الشاذة وتطيعه طاعة عمياء فيما يريد أن يفعله بها . وقام بحلق شعرها وجعله قصيرا لتبدو كالصبيان ، وحلق شعر عانتها أيضا ، وكان يجبرها على ارتداء فستان سهرة وحذاء كعب عالي ويجعلها تتبرج ثم يهاجمها كالوحش فيمزق ملابسها ويقوم باغتصابها وهو يخنقها بيده . كانت أفعاله تؤشر على وجود اضطراب سلوكي ونفسي ذو جذور عميقة تعود لطفولته ، فبحسب البعض ، أراد روبرت أن يحاكي نفسه عندما تعرض للاعتداء الجنسي على يد أبيه ، ولهذا دأب على حلق شعر ضحاياه ، الرأس والعانة ، لجعلهم يبدون كالصبيان .
فرصة النجاة لاحت لشانا عندما أخذها روبرت إلى شقته في هيوستن ، كانت لفتة غريبة منه ، ربما ظن بأنها أصبحت مدجنة ومطيعة تماما وأن لا خوف من فرارها . هناك في الشقة سمح لها بالاغتسال لأول مرة منذ أيام ثم شرع باغتصابها مجددا . وفي اليوم التالي أعادها إلى الشاحنة ، لكن هذه المرة لم يقيدها بصورة محكمة كما أعتاد أن يفعل فتمكنت من تحرير قدمها خلسة واستغلت فرصة نزوله لتفقد مؤخرة الشاحنة فقفزت إلى الشارع وركضت بأقصى سرعتها حتى أصبحت بمأمن من الوحش .

الصور تفضحه

فتاة مجهولة عثر على صورتها في منزل روبرت .. ربما كانت احدى ضحاياه ..
أقوال ليزا وشانا عززت من شكوك الشرطة في أنهم أمام مجرم متمرس ، وبأن ما جرى لهاتين السيدتين هو ليس حادث فردي وإنما جزء من مسلسل رعب استمر على مدى أعوام وراحت ضحيته العديد من النساء ، ليس هذا فحسب ، لكن المحققين صاروا يرجحون الآن بأن روبرت ربما أقترف جريمة قتل خلال السنوات التي مارس فيها هوايته السادية المنحرفة ، لكنهم كانوا بحاجة لدليل يثبت ذلك ، ومن أجل العثور على الدليل توجهوا لشقة روبرت لغرض تفتيشها . هناك عثروا على أمور مماثلة لتلك الموجودة في الشاحنة ، أغلال وأصفاد وسياط وألعاب جنسية .. عثروا أيضا على مناشف مخضبة بالدماء ، وعلى ملابس داخلية نسائية ، والأهم من كل ذلك عثروا على صور لفتاة شابة ذات شعر مقصوص كالصبيان ، الصور التقطت على ما يبدو داخل كوخ خشبي مهجور ، في بعضها تظهر الفتاة وهي عارية ومربوطة من رقبتها إلى وتد خشبي ، وفي صور أخرى تظهر مرتدية فستان أسود وحذاء كعب عالي أسود وقد تبرجت وصبغت أظافرها . والقاسم المشترك بين جميع تلك الصور هي نظرة الرعب والهلع التي تعلو وجه الفتاة ويديها الممدودتان إلى الأمام كأنما هناك شخص ما يهددها ويتأهب لضربها .
المحققون استغرقوا عاما كاملا لربط الفتاة الظاهرة في الصور بالجثة التي عثروا عليها في إسطبل مهجور في إلينوي ، أي جثة رجينا كاي واترز . تأكدوا من ذلك من خلال دفتر ملاحظات عثروا عليه في شقة روبرت ، أسم ريجينا كان مكتوبا على إحدى الصفحات ، وإلى جانبه أرقام هواتف أبيها وأمها وجدتها ، وفي نهاية الصفحة هناك عبارة تقول : "ريكي الآن رجل ميت" ، والتي عدها المحققون دلالة على قيام روبرت بقتل ريكي جونز ، الشاب الذي كان بصحبة رجينا .
دفتر الملاحظات كان يحوي على أسماء وأرقام وعبارات أخرى ، كان دليلا قاطعا على أن روبرت قتل العديد من الناس خلال السنوات الخمسة عشر التي أمضاها كسائق شاحنة . إحدى تلك الجرائم هي قتل كل من باتريشيا كاديس ولش و سكوت سزكافسكي في مطلع عام 1990 .
إحدى صور رجينا التي عثر عليها داخل شقة روبرت .. ربما التقطها لها قبل مقتلها بدقائق داخل الاسطبل المهجور ..
باتريشيا وسكوت كانا قد تزوجا توا في تكساس ، وكانا عائدين إلى بلدتهما في سياتل حينما رماهما حظهما العاثر في طريق شاحنة الموت التي يمتطيها روبرت وقبلا توصيلة منه . روبرت قام بقتل سكوت أولا ورمى جثته على جانب الطريق ، أما باتريشيا فقد أبقاها حية لأسبوع أو أسبوعين قام خلالها باغتصابها وتعذيبها ثم قتلها بعدة أطلاقات من بندقيته بعد مل منها وأخفى جثتها في ميلارد كونتي حيث بقت هناك لعدة أشهر حتى عثر عليها صدفة بعض صائدي الأيائل . الجثة كانت متفسخة بشدة مما جعل التعرف على هوية صاحبتها مهمة عسيرة امتدت لسنوات طويلة .
روبرت حوكم أولا في التسعينات بتهمة قتل رجينا كاي واترز وتوصل إلى أتفاق مع النائب العام يقوم بموجبه بالاعتراف بقتله للفتاة مقابل تجنيبه عقوبة الإعدام ، وهكذا حصل على أول حكم بالسجن المؤبد . ومرة أخرى عام 2012 تمت محاكمته بتهمة قتل كل من باتريشيا ولش وزوجها سكوت سزكافسكي ، وهذه المرة أيضا توصل لاتفاق مقابل تجنيبه الإعدام . وهو اليوم مسجون في أحد السجون الفيدرالية بثلاث عقوبات مؤبد ولا يتوقع أن يفرج عنه أبدا .
الجدير بالذكر أن المحققين موقنون بأن عدد ضحايا روبرت هو أكثر بكثير مما حوكم من أجله . فهو على الأرجح أغتصب وعذب ثلاث نساء شهريا كمعدل اعتبارا من النصف الثاني من عقد الثمانينات ، أغلبهن من عاهرات الطريق والفتيات الهاربات . ولو أخذنا بنظر الاعتبار عدد الجثث التي تم العثور عليها في تلك الفترة بالقرب من الطرق الخارجية في الولايات المتحدة ، وهي بالمئات ، فأن عدد اللذين قتلهم روبرت ربما جاوز الخمسين إنسان وليس ثلاثة فقط ، لكن طبعا لا يوجد أي دليل لإدانته بتلك الجرائم .

جثث على قارعة الطريق

الصعود مع الغرباء لا يكون آمنا دوما ، خصوصا بالنسبة لطفل أو امرأة ، فكل عام يعثر على مئات الجثث حول العالم بالقرب من الطرق الخارجية ، معظمها تعود لأناس قتلوا غدرا على الطريق ، وللأسف فأن أغلب تلك الجرائم تقيد ضد مجهول . بالطبع ليس جميع الضحايا قتلوا على يد سائقي شاحنات ، لا بل أن بعض سائقي الشاحنات قد يكونون هم أنفسهم من بين الضحايا ، فجرائم الطريق تحدث أيضا لغرض التسليب ، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة . لكن نسبة كبيرة من الجثث تكون لنساء جرى اغتصابهن وقتلهن على أيدي بعض السواق المنحرفين من أمثال روبرت ، ومعظم هؤلاء النسوة لم يجري اختطافهن بل صعدن إلى الشاحنات بملء إرادتهن ، ففي بعض دول العالم هناك نساء مختصات بالسفر مع سائقي الشاحنات ، العديد منهن فتيات هاربات من منازلهن وليس لديهن مكان يأوين إليه ، لذا فأن الشاحنة بالنسبة إليهن تكون وسيلة للحصول على بعض المال والطعام وقسط من النوم . وطبعا السائق يحصل بالمقابل على الجنس ، غالبا من دون أن يدفع ولا قرش ، لأن بإمكانه فعل ما يشاء بهؤلاء الفتيات ، فهن هاربات وليس لديهن من يسأل أو يدافع عنهن ، وعندما يمل منهن يقوم برميهن على قارعة الطريق والرحيل ، وأحيانا يقتلن ، وعندما تكتشف جثة إحداهن يكون القاتل قد أصبح على بعد مئات الأميال مما يجعل ربطه بالجريمة أمرا عسيرا .

ختاما ..

أمثال ريجينا لسن بقليلات ، فتيات بعمر الورود يهربن من منازلهن فيصبحن عرضة لشتى أنواع الاستغلال من قبل وحوش بشرية على شاكلة روبرت بين رودز . وهذه الحالة موجودة في بلداننا الشرقية أيضا لكن نادرا ما يتكلم عنها أحد .. فكم من فتاة بريئة ضاعت بسبب مشاكل العائلة والزواج الإجباري وطغيان رجال الأسرة والحب الممنوع .. وكم من فتاة في طريقها للضياع بسبب تعرضها يوميا للاهانة والظلم والاعتداء وسلب الحقوق من دون أن ينبس أحدهم بحرف ... فالبيوت أسرار ، وكل شيء إلا الشرف .. خصوصا حينما يكون موجودا في أقذر منطقة بالجسد .. بين الفخذين ! .